وفق معتقدات الربيع العربي.. أما أن تكون ثائرا مناظلا أو تكون رجعيا من الفلول والأزلام وغيرها من المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان.. لم تكن هناك لوائح وضوابط قانونية تحدد كل فرد الى أي معسكر ينتمي، لكن تلك الضوابط حددها الشارع وقررها المتمردون الذين أمتلكوا عناصر القوة من سلطة وثروة وسلاح وفصلوا تلك الضوابط وفق أمزجتهم في غياب كامل لأي مؤسسات تشريعية أو قانونية أو قضائية.. لذلك قد تصنف في هذا الطرف أو ذاك.
وقد تنتقل من طرف لآخر وفق ما يراه هؤلاء المتمردون.. لكن في محاولة منا لفهم بعض الأشياء الرئيسية التي على ضوئها يتم ذلك التصنيف وجدنا أنه لكي تكون ثائرا فعليك أن تكون ضمن ميليشيا بغض النظر عن تبعيتها لمن ولا من يرأسها ولا ماهي مهامها ويجب أن تكون هذه الميليشيا لها سجون ومعتقلون ولها مقر ولديها أسلحة وعندها علاقات بأحد الأسماء اللامعة لكي تشتغل تحت أسمه ويكون لها وزن في وسط هذا الكم الهائل من الميليشيات التي لا تكاد يخلو مدينة أو قرية او حتى شارع منها.. هذا من الناحية الميدانية أما من الناحية الأخلاقية فلكي تكون ثائرا لا بد أن تشتم النظام السابق ولا تترك مناسبة اجتماعية أو دينية أو حتى عائلية الا وتكيل السب والشتائم لكل ما له علاقة بالنظام ولا يفوتك أن تنهال بكل الصفات والتهم لرأس النظام ولزيادة الأجر عليك أن تصفه بالردة والجهل والتخلف والعمالة والديكتاتورية وحتى الكفر لتزداد حسناتك عشرة أضعاف وتدخل مراحل متقدمة من الثورية وفق الربيع العربي.
تغيرت كل المفاهيم والمصطلحات والقيم وأنقلبت رأسا علي عقب.. كأن الربيع العربي في حقيقته هو ثورة على كل تلك المعتقدات أكثر منها اسقاط للأنظمة.. فأصبح مثلا من جعل بلاده بلد المليون حافظ يصنف كافرا، ومن فتح ابواب بلاده لكل الأديان وانتشرت فيها حملات التنصير وحتى الألحاد يصنف داعية اسلامي .. ومن قاطع الكيان الاسرائيلي ودعم المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح والتدريب طيلة عقود يصنف يهوديا، ومن رحب بالتعاون مع هذا الكيان وقام بزيارات واجتماعات سرية معه وقاتل الطيارون الاسرائيليون في صفه واستقبل اليهودي المحامي عن الرسوم المسيئة لرسول الله ودعا اليهود للرجوع لبلده يصنف مسلما تقيا، وقد يوضع في مرتبة المبشرين بالجنة.. ومن طرد القواعد والقوات الأجنبية وصمد أمامها في حصار لمدة عقد كامل وواجهها عسكريا وجلب الاعتذار والتعويض منها يصنف عميلا وخائنا، ومن أستعان بمستعمر الأمس وفتح لهم الأجواء والشواطئ والحدود وطلب منهم الحماية يصنف وطنيا وشريفا.
ومن رفع قيمة العملة الليبية وحافظ على أرصدتها ورفع من مستوى اقتصادها وترك مئات المليارات في البنوك باسم الدولة يصنف سارقا ومن ضيع تلك الأرصدة في لمح البصر ووضع البلاد في وضع المديون لكل دول العالم يصنف أمينا.. ومن أرسى الأمن والأمان وحارب الجريمة والمخدرات وحافظ على النسيج الاجتماعي يصنف أرهابيا ومن نشر الرعب والخوف والانفجارات والاغتيالات وفكك النسيج الاجتماعي يصنف ثائرا وحرا.. لكل ما سبق عليك أما أن تحافظ على قناعاتك التي درستها وتعلمتها وتربيت عليها وتدفع ضريبة من أجلها كونك ستصنف في قائمة الأعداء والأزلام وحتى الكفار وتصبح مطلوبا ومطاردا ومعرضا للسجن والقتل الحلال، وأما أن تلبس قناعا اخر وتتنازل عن مبادئك وتغير معتقداتك ويستحب أن تغير حتى دينك لكي تصنف ثائرا وحرا وبطلا قوميا وفي مرتبة الشهداء والصديقين والصالحين.. الهجمة شرسة قادها العالم الغربي الصليبي وسخر لها قنواتنا وأبناءنا وأموالنا لضرب كل ما له علاقة بهويتنا وديننا ولغتنا وحضارتنا وقيمنا.. وللأسف انجر الكثير من ذوي النظرة المحدودة والأفق الضيق وراءها وانخدعوا بشعاراته البراقة دون معرفة أبعادها والتي لم تكن أبدا لاسقاط أنظمة، ولكن لأسقاط منظومة الأخلاق والقيم.
فارس الليبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق